
تعليق اتفاقية مياه نهر السند: نقطة اشتعال جديدة في العلاقات بين الهند وباكستان
الهند تعلّق مشاركتها في اتفاقية مياه نهر السند مع باكستان وسط تصاعد التوترات
في تصعيد دراماتيكي للأزمة، أعلنت الهند في 23 أبريل 2025 تعليق مشاركتها في اتفاقية مياه نهر السند مع باكستان، وذلك عقب هجوم مسلح دموي في بَهَلْغام، جامو وكشمير، أودى بحياة 26 مدنياً. هذا القرار، الذي أعلن عنه مسؤولون هنود في نيودلهي، يُعد الأول من نوعه منذ توقيع الاتفاقية قبل 64 عاماً، ما أثار مخاوف من أزمة جديدة بين الجارتين النوويتين. ويترك هذا التعليق آثاراً فورية وبعيدة المدى على الأمن المائي والاستقرار الإقليمي ومستقبل العلاقات الدبلوماسية بين الهند وباكستان.
اتفاقية مياه نهر السند: من، ماذا، متى، أين، لماذا، وكيف
تم توقيع اتفاقية مياه نهر السند في كراتشي في 19 سبتمبر 1960 بين رئيس الوزراء الهندي جواهر لال نهرو والرئيس الباكستاني أيوب خان، بوساطة البنك الدولي بعد تسع سنوات من المفاوضات. تنظم الاتفاقية توزيع وإدارة مياه نظام نهر السند، الذي ينبع من التبت ويمر عبر الهند وباكستان قبل أن يصب في بحر العرب. بموجب الاتفاقية، تسيطر الهند على الأنهار الشرقية الثلاثة (رافي، بياس، سوتليج)، بينما تحصل باكستان على معظم مياه الأنهار الغربية (السند، جيلوم، تشيناب).
تُعتبر الاتفاقية إحدى أنجح اتفاقيات تقاسم المياه العابرة للحدود في العالم، إذ صمدت أمام حربين وأزمات عديدة بين البلدين. تعليق الهند المفاجئ للاتفاقية، بذريعة دعم باكستان للإرهاب العابر للحدود، قلب عقوداً من التعاون في إدارة المياه وأدخل عنصراً جديداً من عدم الاستقرار في العلاقات الثنائية.
“اتفاقية مياه نهر السند تأسست على حسن النية والصداقة. لقد داسَت باكستان على هذه القيم بدعمها للإرهاب العابر للدود لعقود، حسبما صرّح المتحدث باسم وزارة الخارجية الهندية راندهير جيسوال، وفقاً لما نقلته NDTV.
خلفية: اتفاقية مياه نهر السند وبنودها
يُعد نظام نهر السند شريان حياة لكلا البلدين. وباعتبار باكستان دولة مصب، فهي تعتمد على نهر السند وروافده لتوفير نحو 80% من مياه الري الزراعي وجزء كبير من إنتاج الطاقة الكهرومائية. تمنح الاتفاقية باكستان حوالي 80% من مياه النظام، بينما تحصل الهند على 20%، مع بنود مفصلة تحدد حقوق والتزامات كل طرف.
تشمل العناصر الرئيسية للاتفاقية:
- الاستخدام الحصري للأنهار الشرقية للهند، والغربية لباكستان، مع بعض الاستثناءات للاستخدامات غير الاستهلاكية والري المحدود من قِبل الهند في الأنهار الغربية.
- لجنة دائمة لنهر السند، تضم ممثلين من البلدين، للإشراف على التنفيذ وتبادل البيانات وحل النزاعات.
- آليات للوساطة من طرف ثالث، بما في ذلك خبراء محايدون ومحكمة تحكيم دولية، بإشراف البنك الدولي.
- التزامات بتبادل البيانات، وإخطار المشاريع الجديدة، والتفتيش المشترك لضمان الشفافية والثقة.
مكنت الاتفاقية البلدين من بناء بنية تحتية واسعة للري والطاقة الكهرومائية، مثل سدّي تربلا ومانغلا في باكستان ومحطات الطاقة الكهرومائية الهندية. كما وفرت الاستقرار اللازم لتطوير الاقتصاد الزراعي الباكستاني، الذي يشغّل حوالي 65% من القوى العاملة ويساهم بنحو 25% من الناتج المحلي الإجمالي.
الأزمة الحالية: لماذا علّقت الهند الاتفاقية؟
اندلعت الأزمة الحالية بعد هجوم مسلح في بَهَلْغام، كشمير، في 22 أبريل 2025، أسفر عن مقتل 26 مدنياً. اتهمت الهند جماعات مقرها باكستان بتنفيذ الهجوم، وهو ما نفته إسلام آباد بشدة. ورداً على ذلك، شنت الهند ضربات صاروخية داخل باكستان استهدفت ما وصفته ببنية تحتية للمسلحين، ثم أعلنت لاحقاً تعليق الاتفاقية.
أكد مسؤولون هنود، من بينهم وزير الخارجية إس. جايشانكار، أن الاتفاقية ستبقى “معلّقة” حتى تتوقف باكستان “بشكل موثوق ونهائي” عن دعم الإرهاب العابر للحدود. كما أوضحت الهند أن الحوار المستقبلي مع باكستان سيقتصر على قضايا الإرهاب واستعادة الأراضي في كشمير الخاضعة لسيطرة باكستان، رافضة أي مفاوضات أوسع حول كشمير أو الاتفاقية نفسها.
“لا يمكن أن تجري المياه والدماء معاً، صرّح مسؤول هندي، معبراً عن موقف الحكومة المتشدد. وأضاف: “لا يمكن أن يحدث الإرهاب والحوار في الوقت نفسه. ولا يمكن أن يحدث الإرهاب والتجارة معاً”، وفقاً لـ NDTV.
ماذا يعني التعليق؟ الآثار القانونية والعملية
لا تتضمن اتفاقية مياه نهر السند أي بنود تسمح بالتعليق أو الإنهاء من طرف واحد. ينصّ البند الثاني عشر على أنه لا يجوز تعديل الاتفاقية إلا باتفاق الطرفين. لذا، فإن قرار الهند بتعليق التزاماتها يُعد سابقة قانونية ودبلوماسية معقدة.
وبحسب خبراء نقلت عنهم رويترز وBBC، فإن البنية التحتية الهندية الحالية لا تتيح لها تحويل أو حجز كامل مياه الأنهار الغربية فوراً، حيث تعتمد معظم مشاريع الهند على محطات الطاقة الكهرومائية التي لا تتطلب خزانات ضخمة. لكن التعليق يسمح للهند بتسريع خطط بناء سدود وقنوات جديدة، ما قد يؤدي مستقبلاً إلى تقليل تدفق المياه نحو باكستان.
“على عكس الماضي، لن تكون الهند ملزمة بعد الآن بتقديم وثائق مشاريعا إلى باكستان، قال هيمانشو ثاكار، خبير الموارد المائية الإقليمي، كما نقلت عنه BBC.
أدانت باكستان التعليق واعتبرته انتهاكاً للقانون الدولي، محذرة من أن أي محاولة لوقف أو تحويل تدفق المياه ستُعد “عملاً حربياً”. وقد خاطبت إسلام آباد الهند رسمياً مطالبة بإعادة النظر، لكن نيودلهي تجاهلت هذه النداءات حتى الآن.
المخاطر: الأمن المائي والاستقرار الإقليمي
تُعد المخاطر بالنسبة لباكستان هائلة. إذ يزود حوض السند حوالي 80% من الزراعة المروية، التي تمثل عماد الاقتصاد والأمن الغذائي الباكستاني. أي انخفاض في تدفق المياه قد يؤدي إلى كوارث تشمل فشل المحاصيل ونقص الطاقة وتصاعد التوترات الداخلية بين الأقاليم المتنافسة على الموارد المائية الشحيحة.
“حوض السند يزود حوالي 80% من الزراعة المروية في باكستان، وهو قطاع يمثل نحو 25% من الناتج المحلي الإجمالي ويشغّل 65% من القوى العاملة. عشرات الملايين يعتمدون على مياه الأنهار في معيشتهم وبائهم، بحسب تقرير معهد تشاتام هاوس.
أما الهند، فترى أنها لم تستغل حتى الآن كامل حصتها البالغة 20% من مياه الأنهار الغربية، وأن المشاريع الجديدة ضرورية لتلبية احتياجات سكانها المتزايدين والزراعة والطاقة، خاصة في ظل تغير المناخ والجفاف المتكرر.
السياق التاريخي ،اتفاقية صمدت أمام الحروب، والآن في مهب الريح
ولدت اتفاقية مياه نهر السند من رحم الضرورة والتسوية. بعد تقسيم الهند البريطانية عام 1947، اندلعت نزاعات مائية فوراً، حيث أوقفت الهند مؤقتاً تدفق المياه إلى باكستان عام 1948. وتدخل البنك الدولي، ما أدى إلى توقيع الاتفاقية في نهاية المطاف عام 1960.
صمدت الاتفاقية أمام حروب 1965 و1971، وصراع كارجيل عام 1999، والعديد من الاشتباكات الحدودية. كما تم حل النزاعات حول مشاريع سدود محددة مثل باغليار وكشنغانغا عبر آليات الاتفاقية، بما فيها خبراء محايدون وتحكيم دولي.
“تُعتبر اتفاقية مياه نهر السند من أنجح تجارب تقاسم المياه في العالم اليوم، رغم اعتراف المحللين بالحاجة إلى تحديث بعض المواصفات الفنية وتوسيع نطاق الاتفاقية لمواجهة تحديات التغير المناي، وفقاً لموسوعة ويكيبيديا.
جيران نوويون وقلق عالمي
يأتي تعليق الاتفاقية في ظل تصاعد التوتر العسكري بين الهند وباكستان، وكلاهما يمتلك ترسانة نووية. ويظل خطر التصعيد قائماً، إذ يحذر المحللون من أن المياه قد تصبح نقطة اشتعال جديدة في منطقة تعاني أصلاً من النزاعات.
لعبت الولايات المتحدة ودول أخرى دور الوسيط خلال الأزمات السابقة، لكن نفوذها تراجع في السنوات الأخيرة. وقد دعت واشنطن إلى ضبط النفس دون تدخل مباشر، ما يعكس تغير الأولويات والتحالفات في جنوب آسيا.
“احتمال التصعيد النووي مصدر قلق ملح. وزارة الدفاع الهندية تؤكد أنها أظهرت ضبط النفس باستهداف مواقع المسلحين المزعومة بدلاً من الأهداف العسكرية الباكستانية، رغم أن الوضع تصاعد بالفعل بحسب تقرير Vox.
ردود الفعل الداخلية والحسابات السياسية
في الهند، حظي قرار الحكومة بدعم سياسي واسع، حيث اعتُبر رداً ضرورياً على الإرهاب. وصرّح وزير المياه الهندي سي آر باتيل أن هناك خطوات تُتخذ لضمان “عدم مغادرة قطرة ماء واحدة الأراضي الهندية دون الاستفادة منها”.
أما في باكستان، فقد أثار التعليق حالة من القلق ودعوات للتدخل الدولي. وحذر رئيس الوزراء شهباز شريف من أن أي محاولة لوقف أو تحويل المياه “ستُعتبر عملاً حربياً”، وطالبت أحزاب المعارضة برد دبلوماسي وقانوني قوي.
ماذا بعد؟
مستقبل اتفاقية مياه نهر السند – وبالتالي استقرار جنوب آسيا – أصبح على المحك. ويحذر الخبراء من أن غياب إطار التعاون قد يحول حتى النزاعات الصغيرة إلى أزمات كبرى. كما أن غياب تبادل البيانات الفوري، وإخطار المشاريع، والتفتيش المشترك يزيد من مخاطر سوء التقدير وانعدام الثقة.
“بدون قواعد واضحة، حتى المشاريع الصغيرة قد تثير الشكوك. كل موسم أمطار، وكل خزان، وكل موجة جفاف قد تصبحمصدراً للتوتر، بحسب صحيفة Dawn.
ويضيف تغير المناخ طبقة أخرى من التعقيد، حيث تواجه الدولتان إجهاداً مائياً متزايداً وتدفقات نهرية غير متوقعة وموجات جفاف وفيضانات متكررة. ويشير بعض المحللين إلى ضرورة تحديث الاتفاقية لمواجهة تحديات جديدة، منها إدارة المياه الجوفية والاعتبارات البيئية.
وقد يشكل التدخل الدولي، بقيادة البنك الدولي أو الأمم المتحدة، مساراً نحو التهدئة. واقترح معهد تشاتام هاوس أن الوساطة العاجلة لإنقاذ الاتفاقية قد تفتح باباً للحوار والاستقرار.
اقتباسات وتحليلات
“الوساطة العاجلة لإنقاذ اتفاقية مياه نهر السند قد تكون طريقاً للتهدئة بينالهند وباكستان، معهد تشاتام هاوس، 6 مايو 2025.
“الاتفاقية ليس لها تاريخ انتهاء، ولا تتضمن أي بند للتعليق. البند الثاني عشر يوضح أنه لا يمكن تعديلها إلا باتفاق الطرفين. وهذا لم يحدث من قبل صحيفة Dawn، 24 أبريل 2025.
“البنية التحتية الهندية تتكون أساساً من محطات الطاقة الكهرومائية التي لا تتطلب تخزيناً كبيرً، هيمانشو ثاكار، شبكة جنوب آسيا للسدود والأنهار والشعوب، كما نقلت عنه BBC.
المستقبل
يمثل تعليق اتفاقية مياه نهر السند نقطة تحول في العلاقات الهندية الباكستانية. فقد كانت الاتفاقية رمزاً للتعاون في ظل النزاعات، وأصبحت الآن في قلب مواجهة خطيرة. يكمن الخطر المباشر في تعطل إمدادات المياه لباكستان، مع ما يترتب عليه من عواقب وخيمة على الزراعة والطاقة والاستقرار الاجتماعي.
على المدى البعيد، يزيد غياب اتفاق ملزم من خطر التصعيد وسوء التقدير، خاصة مع تفاقم المنافسة على الموارد الشحيحة بفعل تغير المناخ. ويواجه البلدان خياراً حاسماً: العودة إلى طاولة المفاوضات، ربما بوساطة دولية، أو المخاطرة بتحويل المياه – مصدر الحياة – إلى سلاح حرب.
ومع تطور الأحداث، يراقب العالم عن كثب، آملاً أن تسود الدبلوماسية والعقلانية على المواجهة والتصعيد.
Hi, this is a comment.
To get started with moderating, editing, and deleting comments, please visit the Comments screen in the dashboard.
Commenter avatars come from Gravatar.